دخل الكيان الصهيوني مرحلة السباق مع الوقت، لإعلان يهودية الدولة كمرحلة أخيرة، لضمان أمنه وإستمرارية بقائه في أصغر بقعة جغرافية ممكنة داخل فلسطين المحتله ،صافية الإنتماء الديني والسياسي لضمان أمن الجبهة الداخلية ،والتمكن من الدفاع عن حدوده الجديدة بعد إخفاقاته المتكررة والتصحر العسكري والمدني الدي تعرض له بعد حرب تشرين عام 1973، والتي شكلت الحد الفاصل بين مخطط التوسع والغزو في قلب العالم العربي، وبين منظومة الإنسحاب والتراجع، مرة بعنوان الأرض مقابل السلام وفق إتفاقية كامب دايفيد مع مصر، ومرة أخرى وفق منهجية حماية الإحتلال والتقليل من خسائره بفعل ضربات المقاومة كما حدث في لبنانعام 2000 وقطاع غزة.
وبدأت رقعة الكيان الإسرائيلي بالإنكماش نحو الداخل الفلسطيني مترافقة مع تعزيز يهودية الكيان وفق منظومة ثلاثية أولها تهويد القدس وبناء الهيكل المزعوم لتأمين الحافز العقائدي التلمودي لشعب إسرائيل في الشتات وثانيها زرع المستوطنات كثقوب متواصلة في الجسد الفلسطيني الضعيف في الضفة الغربية لشله وتفريغه من عناصر الوحدة والحصانة الداخلية، والمحور الثالث تهجير فلسطينيي ما يعرف بالخط الأخضر أي عرب 48 للتخلص من الغرباء من دائرة يهودية الدولة سواء كانو مسلمين أو مسيحين ،لتطهير الدولة المفترضة من كل العناصر التي لا تدين الصهيونية اليهودية ،وذلك عبر خطة "الترانسفير" اي التهجير المنظم للفلسطينيين سواء إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الدول العربية المجاورة ،وهذا ما سيؤثر حكما وبشكل سلبي على قوى الممانعة والمقاومة الفلسطينية في الداخل، ويسقط من يدها أحد أوراق القوة والتي ستسقط بدورها ورقة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتجعل من التوطين أمرا واقعا لا يمكن التصدي له... فكيف يمكن إرجاع اللاجئ الفلسطيني في وقت لا يمكن الإحتفاظ بالفلسطيني المقيم..؟
.وتعمل الإدارة الأميركية وبالتواطئ مع الكيان الإسرائيلي لتهيئة الظروف والوقائع لتمرير وإنجاز هدا المخطط عبر الضغط على الدول العربية المسماة محور الإعتدال لإسكاتها عما يجري في فلسطين ،وللإستعانة بها لحصار محور المقاومة والممانعة لتقييد حركة الرفض العربي للمشروع الإسرائيلي، وتوجيه الرأي العام بواسطة أنظمته المصادرة أميركيا لإصطناع عدو بديل عن إسرائيل، وحصر الأخطار والمواجهة فيه وقد تم اختيار إيران لإلباسها هده التهمة إعتمادا على هويتها العقائدية التي تمثل أحد طرفي المذاهب الإسلامية، لرفد المواجهة العربية -الإيرانية بالعصبيات المذهبية التي تشكل وقودا للفتنة، مما يشتت الموقف العربي المحاصرلإسرائيل العاجز عن إنقاذ الفلسطينيين من نكبتهم الجديدة، تزامنا مع الحصار الدولي لإيران والتحضير لضربها عسكريا لإلغاء دورها الإقليمي الرافض للإحتلال والداعم للمقاومة، ولمنعها من إمكانية تجميع القوى الأقليمية والعالمية لتشكيل منظومة شبيهة بمنظمة دول عدم الإنحياز، لكن بمخالب عسكرية و إقتصادية .
ويسير المشروع الإسرائيلي لتهويد فلسطين بخطى سريعة ويحرق المراحل مستفيدا من الإحتلال الأميركي للعراق والسيطرة السياسية على معظم الدول العربية، لإنجاز البنية الداخلية للدولة اليهودية ولمفاجأة العرب بكرة التهجير الفلسطيني إلى الضفة الغربية ومنها إلى الأردن، الذي يمثل وفق الخطة الإسرائيلية والمدعومة أميركيا، الوطن البديل للفلسطينيين خاصة إذا استطاع لبنان وسوريا منع تدفق اللاجئين من جديد إلى أراضيهما ،وكدلك منع توطين اللاجئين المقيمين مند عام 1948.
ويشكل الأردن الحل الأمثل والأقل كلفة والأكثر سهولة لتوطين الفلسطينيين منه خاصة وأن نسبة الفلسطينيين في الأردن سواء الذين يحملون الجنسية الأردنية أو اللاجئين في المخيمات تتجاوز خمسين بالماية،دون اعطاء الجنسية لأولاد الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين والذي يبلغ تعداد ولاداتهم حوالي النصف مليون، وبالتالي فإن نسيجه الإجتماعي والديمغرافي قابل لإستيعاب الموجات الجديدة الفلسطينية بدون مقاومة أردنية فاعلة، خاصة وأن النظام يعيش على الدعم الإقتصادي الأميركي وكذلك السياسي، ولا يملك مقومات الرفض أو المنع، لهشاشة مرتكزات القوة فيه حيث تشكل المساعدات الخارجية المرتكز الأساس لميزانية الدولة ومع إنكار الإسرائيليين لهدا التوجه لكنهم يعلنون على ألسنة مسؤوليهم بين الحين والأخر، أن الحل الأمثل للفلسطينيين وللسلام خاصة موضوع التوطين، يتمثل عبر الأردن الوطن البديل للفلسطينيين .
سواء بإلغاء الحكم الهاشمي كليا أو عبر الكونفدرالية بين الحكم الهاشمي والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال احتفاظ السلالة الملكية بالحكم بروتوكوليا ومعنويا كما هو الحال في بريطانيا وإسبانيا على أن تكون السلطة التنفيذدية مزيجا بين الأردنيين والفلسطينيين،و تكون فيها الغلبة للفلسطينيين بشقيهم الأردني( المجنس) والفلسطيني على أن تتولى الدول الغربية رعاية هدا الإتحاد أو الكونفدرالية ماليا واقتصاديا عبر صندوق طويل المدى يفرض فيه على الدول الخليجية النفطية المساهمة الأكبر بديلا عن توطين الفلسطينيين فيها، نتيجة مجتمعاتها الضعيفة وأقلياتها السكانية من المواطنين اذدين ذابوا بين أمواج العمالة الأجنبية المتدفقة إليها.
لكن السؤال المطروح هل أن العرب ،وخاصة الأردنيين قادرون على منع هدا المشروع إذا افترضنا عدم رضاهم عنه..؟
إن الوقائع تدل من الآأن إما على القبول الضمني أو عدم القدرة على الرفض، فمن يسكت عن تهويد القدس وبناء( كنيس الخراب)ولا يتحرك ولو إعلاميا أما لعجزه وأما لتواطئه، فكيف سيتحرك للدفاع عن الأردن أو فلسطين المغتصبة،والظاهر أن أكثر العرب شركاء في جريمة الوطن البديل وجريمة إنهاء القضية .
وتبقى المقاومة ودول الممانعة العائق الأساس والوحيد أمام هدا المشروع، ولذا فإن هذا المحور يتعرض للضغط والحصار لهزيمته بشتى الوسائل والإمكانيات، لأن لحظة سقوط محور المقاومة ستشكل إعلان نهاية القضية الفلسطينية و تهويد المسجد الأقصى ان لم يهدم ، وإعلان الوطن البديل وولادة الدولة اليهودية، وستسخر كل الحركات المذهبية التكفيرية المصنعة اميركيا ، من القاعدة وأخواتها من أجل إستنزاف المقاومين، تمهيدا للقضاء عليهم، وتبقى وحدة المقاومة والممانعة وصمودهما، السبيل الوحيد لهزيمة المشروع الأميركي واستعادة الحقوق.
د. نسيب حطيط